يُعد الباراسيتامول (Paracetamol)، أو ما يُعرف بالاسم التجاري "بانادول"، من أكثر الأدوية شيوعًا لتسكين الألم وخفض الحرارة. وعلى الرغم من أمانه عند تناوله بالجرعات الصحيحة، إلا أن الجرعات الزائدة منه قد تؤدي إلى تسمم خطير بالكبد قد يكون مميتًا.
ما الذي يحدث داخل الجسم عند تناول جرعة زائدة من الباراسيتامول؟
عند دخول الباراسيتامول إلى الجسم، يتم استقلابه في الكبد مثل معظم الأدوية. في الحالة الطبيعية، يُستقلب أغلبه إلى مركبات غير ضارة تخرج مع البول. لكن جزءًا صغيرًا منه يتحول إلى مادة سامة تُسمى NAPQI (N-acetyl-p-benzoquinone imine)، وهي مادة قد تلحق أضرارًا جسيمة بالكبد.
لحسن الحظ، في الظروف العادية، يتدخل أحد "حراس" الكبد الطبيعيين، وهو الجلوتاثيون (Glutathione)، ليرتبط بهذه المادة السامة ويحوّلها إلى مادة غير ضارة تُطرَح خارج الجسم. وذلك بفضل مجموعة كيميائية تُعرف باسم Sulphydryl group تمتلكها جزيئات الجلوتاثيون وتحبها مادة NAPQI، مما يجعلها قادرة على تحييدها.
متى تبدأ المشكلة؟
المشكلة تحدث عند تناول جرعة زائدة من الباراسيتامول، مثل أكثر من 4 جرام يوميًا لدى البالغين، أو عند تكرار تناول الجرعات بشكل غير منضبط. في هذه الحالة، تزداد كمية NAPQI في الجسم إلى درجة لا يستطيع الجلوتاثيون التعامل معها، فينفد مخزون الجلوتاثيون، وتبقى مادة NAPQI حرة في الدم، فتبدأ بمهاجمة خلايا الكبد وتسبب تلفًا في أنسجته، وهو ما يُعرف بتسمم الكبد الناتج عن الباراسيتامول.
لماذا يُستخدم الأسيتيل سيستايين كعلاج؟
هنا يأتي دور البطل المنقذ: الأسيتيل سيستايين (N-acetylcysteine أو NAC)، وهو الترياق (Antidote) المستخدم في حالات التسمم بالباراسيتامول. يعمل NAC بطريقتين:
-
يعيد تجديد مخزون الجلوتاثيون في الكبد، ليتمكن من مواصلة تحييد NAPQI.
-
يمتلك بنفسه مجموعة Sulphydryl، مما يسمح له بالارتباط مباشرة بالمادة السامة وتحويلها إلى مركب غير ضار.
ويُعتبر العلاج أكثر فعالية إذا تم إعطاؤه خلال أول 8 إلى 10 ساعات من تناول الجرعة السامة. لكن يمكن أن يظل مفيدًا حتى بعد مرور 24 ساعة في بعض الحالات.
تسمم الباراسيتامول من الحالات الطبية الطارئة التي تحتاج إلى تدخل سريع. وفهمك لآلية التسمم ودور الأسيتيل سيستايين في العلاج يجعلك طبيبًا أكثر وعيًا، لا تحفظ فقط "الأنتي دوت"، بل تعرف لماذا يُستخدم وكيف ينقذ الكبد من الانهيار.